الإعتقاد

" هذه آخر كلماتي لك ، لا تخف من الحياة ، آمن بأن الحياة تستحق أن تعيشها ، وسوف يساعدك ايمانك على تحقيق الواقع "
د. وليام جيمس


تحدث العالم النفساني الأمريكي ابراهام ماسلو عن رجل كان مصرّا" في اعتقاده على أنه جثة بالرغم من جهود طبيبه النفسي لعلاجه ، وفجأة خطر في ذهن طبيبه سؤالا ذكيا ... فقال له الطبيب " هل من المعقول أن تنزف الدماء من الجثة ؟ " فرد عليه المريض قائلا " ما هذا الذي تقوله يادكتور ، طبعا" الجثث لا تنزف الدماء " وعلى الفور قام الطبيب بوخز إصبع المريض فخرجت منه نقطة من الدماء ، وبدت الدهشة والاستغراب على وجه المريض وصاح قائلا" " الآن فقط اقتنعت أنه من الممكن أن تنزف الدماء من الجثث " .
ماذا تعني هذه القصة ؟ ... هذا الرجل كان يعتقد أنه جثة هامدة ، وكان يرفض كل أنواع العلاج حتى تغير اعتقاده إلى أنه من الممكن أن تنزف الدماء من أي جثة ، وبالتالي فمن الممكن علاجها ، وعلى ذلك تقبل هو أن يضع نفسه تحت العلاج .
لا يتطلب الاعتقاد أن يكون الشيء حقيقة فعلا ، ولكن كل ما يتطلبه هو الأاعتقاد بأنه حقيقة . والاعتقاد هو الأساس الذي نبني عليه كل افعالنا وهو أهم خطوة في طريق النجاح . وفي ذلك هناك حكمة تقول " لكي ننجح فلا بد أولا أن نؤمن بأننا نستطيع النجاح " ... وقد قال الكاتب الأمريكي نابليون هيل " ما يدركه ويؤمن به عقل الإنسان يمكنه أن يحققه " .


وإليك قصة ذلك المريض الذي لم تنجح معه أي طريقة في العلاج حتى لجأ طبيبه إلى فكرة بسيطة وهي أنه قال للمريض أن هناك دواء أكتشف حديثا من الممكن أن ينجح في علاجه في اقل من 24 ساعة ، وبكل حماس طلب المريض الحصول على هذا الدواء المدهش ، فأعطاه الطبيب قرصين وأكد له أنه في أقل من 24 ساعة سيكون قد شفي تماما" وقد حدث فعلا أن المريض زالت شكواه وشفى في اليوم التالي وشكر الطبيب على المعجزة ... الآن هل تعرف ما هو هذا الدواء المعجزة ؟ ... قرصين من الاسبرين !! وقد شفي المريض فقط بقوة اعتقاده .

وقد حدث أن كنت في دالاس في امريكا لإلقاء محاضرة عن مدى قوة تأثير الاعتقاد وكيف يكون اعتقاد الشخص هو السبب الرئيسي للنجاح والصحة الكاملة والسعادة أو الفشل والمرض والتعاسة . وبعد المحاضرة تجمع بعض الموجودين وقال أحدهم وكان رجلا في الثلاثينات من عمره أن ما ذكرته في المحاضرة هو صحيح للغاية حيث ان جدته البالغة من العمر 73 سنة تخاف جدا" من ركوب المصاعد حيث إنها مرت بتجربة سيئة عندما كانت في الثامنة من عمرها حين تعطل بها المصعد وظلت محبوسة لأكثر من ساعة كانت طوالها تصرخ وتبكي ومنذ ذلك اليوم وهي تخاف جدا من استعمال المصاعد وتتفادى ركوبها حتى لوكان ذلك يعني أنها ستصعد 500 درجة على قدميها .
وقال لي شخص آخر في آواخر الأربعينات من عمره أنه يخاف جدا من الكلاب حيث ان كلبا قد هجم عليه عندما كان في الخامسة من عمره وعقره مرتين في رجله واضطر للذهاب فورا للمستشفى للعلاج ، ومنذ ذلك اليوم لا يمكن أن يتواجد في أي مكان به كلب . وذكرت لي أحدى السيدات أنها تكره القطط وتقوم بعمل أي شيء لتفاديهم حتى اذا كان ذلك يعني انها لا تقوم بزيارة الأصدقاء والأقارب الذين يقتنون القطط وهي تعلم جيدا أن خوفها هذا وكراهيتها للقطط يؤثر عليها وعلى أطفالها الذين يتمنون ان يكون لديهم قطة . وقال لي شاب رابع أنه كان ان يعتقد أن سيكون بدينا جدا مثل والده وقد سبب له هذا الأعتقاد بعض الأمراض والمتاعب النفسية والجسدية ، فمنذ عشر سنوات قرر ان يتصرف ايجابيا في هذا الموضوع فلجأ إلى أحد الأطباء المتخصصون وفي خلال سنة من العلاج استطاع ان يقضي على ذلك الأعتقاد السلبي الذي كان من الممكن أن يدمر حياته .

وكما أنه من الممكن أن يكون الأعتقاد سببا في الفشل والحد من تصرفاتنا في الحياة ، يمكنه ايضا ان يكون سببا رئيسيا للنجاح وتحقيق أهدافنا في الحياة والمثال على ذلك ان توماس أديسون أجرى 9999 تجربة قبل نجاحه في أختراع المصباح الكهربائي بعد أن ضحك عليه الناس . ومع ذلك لم يتوقف عن محاولاته الفاشلة قائلا" أنه لم ييأس حيث أن كل خطوة فاشلة يستبعدها تجعله يتقدم للأمام . وأيضا مثال والت ديزني الذي ذهب إلى زوجته ومعه رسما كاريكاتيريا لفأر صغير قائلا لها " نحن سنجني ثروة كبيرة من وراء هذا الفأر " وكانت زوجته أول من قال له " أتمنى أن لا تكون قد قلت مثل هذا الكلام لأي شخص آخر !!" ، ولكن اعتقاد ديزني في النجاح جعله يستمر في أحلامه مقتنعا أنه سيبتكر شخصية ميكي ماوس ومدينة ديزني ، وفي طريقه لتحقيق أحلامه واجه العديد من العقبات وأفلس أكثر من مرّة ولكن بقوة أعتقاده استطاع أن يحقق النجاح حيث تعتبر مدينة ديزني الآن عملا" فنيا" رائعا" يجذب خيال الأطفال وايضا" الكبار .

في كتابه " الأعتقاد" قال الكاتب الأمريكي روبرت ديلنز " يمثل الاعتقاد أكبر إطار للسلوك ، وعندما يكون الاعتقاد قويا ستكون تصرفاتنا متماشية مع هذا الاعتقاد " .
وقد قال د. ريتشارد باندلر أحد مؤسسي البرمجة اللغوية العصبية " أن للاعتقادات قوة كبيرة فإذا استطعت أن تغير أعتقادات أي شخص فإنك من الممكن أن تجعله يفعل أي شيء " .
وفي كتابه " عشر قوانين طبيعية للوقت المثمر وتنظيم الحياة " قال هيرام سميث " لكل اعتقاد مجموعة قوانين مبرمجة في مستوى عميق في العقل الباطن ، وعلى أساس هذه القوانين يتصرف الأنسان " .

والآن نشرح الأشكال الخمسة الأساسية للاعتقاد والتي تؤثر على تصرفاتنا :

(1) أول اشكال الأعتقاد هو الأعتقاد الخاص بالذات :

وهذا هو اقوى أنواع الأعتقادات ، فكيفية اعتقادك في نفسك يمكنها أن تزيد من قوتك وتساعدك في التقدم للأمام لبلوغ أهدافك أو تكون مدمرة وتبعدك عن أهدافك وتمنعك من إحداث أي تغيير ... ومثال على ذلك بطل الملاكمة الأمريكي محمد علي الذي كان يردد دائما" " أنا أعظم ملاكم ، أنا أعظم ملاكم " فبسبب قوة اعتقاده في نفسه وفي إمكانياته أستطاع أن يصل إلى درجة الأمتياز وأصبح من أعظم الملاكمين في عصره ، وقد سأل مرة في حديث تلفزيوني عن الشيء الذي يمكنه أن يصنع بطلا" عظيم ؟ وكان رده " لكي تكون بطلا" يجب أولا" أن تؤمن وتعتقد أنك الأحسن ، وإذا لم تكن بطلا يجب أولا أن تؤمن وتعتقد أنك الأحسن ، وإذا لم تكن الأحسن تظاهر وتصرف كأنك الأحسن " ... وبأختصار فقد أراد محمد علي أن يجعلنا نفهم أنه من الواجب أن يكون عندنا اعتقادا قويا في أنفسنا وفيما نريد أن نكونه .

وإليك بعض الأمثلة للأعتقادات السلبية عن الذات :

· أنا لا أساوي شيئا" .
· أنا لا أستحق النجاح .
· إذا أصبحت غنيا" سأكون وحيدا" وسأفقد كل أصدقائي .
· لو أمتنعت عن التدخين سيزيد وزني .
· أنا لا أستطيع قيادة السيارة على الطريق السريع لأنه خطر .
· كلّما قمت بتجربة أي شيء جديد لا أنجح ، أنا فاشل .


والآن إليك بعض الأمثلة التي تدل على الأعتقادات القوية عن الذات * انا قوي وأتمتع بصحة ممتازة .

*أنا أثق في نفسي وفي قدرتي على النجاح .
* أنا أب ، أم ، زوج ، زوجة ، أبن ، أبنه ، أخت ، أخ ممتاز .
الاعتقادات عن الذات لها قوة شديدة زإذا ما قمت بتغييرها فإنك ستصبح شخصا مختلفا" تماماط وستغير حياتك كلية .


(2) ثاني أشكال الاعتقاد هو الاعتقاد فيما تعنيه الأشياء :

هذا النوع من الاعتقاد يمثل ما تعنيه الأشياء بالنسبة لنا وتدل على حالة الشيء وكونه ذو أهمية أو غير ذي أهمية بالنسبة لنا . وكمثال فقد حدث أن كنت مرّة في لويزيانا ألقي محاضرة عن فلسفة النجاح وكعادتي دائما" أردت أن اسأل الحاضرين عمّا اذا كان أحدهم عنده اعتقادات سلبية عن ذاته يشعر إنها تحدّ من قدراته ويجب أن يتخلص منها ... فخرجت من بين الصفوف شابة تملأ عينيها الدموع واقتربت مني وقالت " أنا لا أستطيع أن أثق في أي رجل ، لقد جرحت ثلاث مرات فقررت ألاّ يكون في حياتي أي رجل حتى لا أصدم مرة أخرى ، وفي نفس الوقت أشعر بوحدة فظيعة " ... وأردت أولا" أن أوقف تفكيرها السلبي فورا" زأن أجعلها تكفّ عن البكاء ، فسألتها " هل ذهبت في أي رحلى ألى الصين ؟ " فأندهشت من السؤال وتوقفت عن البكاء وقالت "لا " ... فطلبت منها أن تكمل قصتها بخصوص عدم ثقتها في الرجال ، ولمّا أخذت في البكاء مرة أخر سألتها " هل تعتقدي أن الناس في الصين يبكون مثلما نبكي نحن ، أم أنهم يقومون بعمل حركات بوجوههم وتخرج الدموع من أذانهم ؟ " وطبعا" بدأت في الضحك ... فطلبت منها مرة أخر أن تستكمل قصتها حيث أنني بهذه الطريقة كنت قد نجحت في أن أجعلها تتوقف عن البكاء وتبدأ في الضحك فسألتها عمّا تعنيه العلاقة بين الرجل والمرأة بالنسبة لها ... فلردت قائلة " إنه الحب " ... فسألتها عمّا تحتاج إليه حتى تشعر بأنها محبوبة ... فقالت " الثقة " فإذا لم أثق في رجل فلا أستطيع أن أحبه " ... وسألتها عمّا اذا كانت تحب ركوب قطار الملاهي " رولر كوستر " الذي يرتفع في الهواء ثم يهبط بسرعة مجنونة ... فقالت " طبعا" أحبه ، فهذا من هواياتي المفضلة ، وقد كنت في الملاهي في الأسبوع الماضي وقد ركبت هذا القطار مرّتين " ... فسألتها عمّا اذا كان ركوب هذا القطار يشكّل خطرا" عليها حيث إنه من الممكن أن يحدث عطلا" فيه ويتسبب في حادثة من الممكن أن تكون السبب في وفاتها ... فقالت طبعا" هذا وارد " ... فسألتها " كيف تقومي بعمل شيء ما وأنت تعلمين جيدا" إنه من الممكن أن يتسبب في موتك " ولكنها لم ترد هذه المرّة ... فسألتها عمّا إذا كان من الممكن أن تصاب بالسكتة القلبية أثناء ما كانت في الهواء والقطار يغيّر اتجاهاته فجأة متحركا" بسرعة كبيرة ... فردت " طبعا" هذا محتمل " ... فسألتها " ومع ذلك قمت بركوب القطار ، أليس كذلك ؟ " ... فقالت " نعم " ... فقلت لها وكيف هذا ؟ ... فردت قائلة بأنها تثق في نفسها وإنها تستطيع ركوب القطار وهي متأكدة وواثقة في القائمين بإدارة الملاهي بالرغم من أنها لم تكن متأكدة من سلامة القطار وصلاحيته للركوب ... فسألتها " والآن بالنسبة للرجال ؟ " ... فردت قائلة " أعتقد إنني من الممكن أن اثق في نفسي " ... فقلت لها " ولكن من الممكن أن تتعرّضي لجرح آخر " ... فقالت أخيرا" " هذا لا يهمّ ، فأنني سأمر بتجارب أكثر وسألتقي في أحد اليام بالشخص الذي من الممكن أن يشاركني حياتي " .
وبناء على هذا المثال فإنك أذا غيّرت معي الاعتقاد في شيء فإنه يمكنك تغيير الاعتقاد نفسه وبالتالي سيأخذ اعتقادك شكلا" مختلفا" تماما" .

(3) ثالث أشكال الاعتقاد هو الأعتقاد في الأسباب :

[size=32]هذا الاعتقاد يتناول الدافع الذي وراء أي موقف وما يسببه .


من الممكن أن تشمل الاعتقادات السلبية ما يلي :

· لو أصبحت غنيا" فمن الممكن أن يتسبب ذلك في أن افقد عائلتي .
· التدخين يسبب لي الأسترخاء .
· مكيف الهواء يسبب لي الأصابة بالبرد .
· أنا عصبي بسبب الطريقة التي نشأت عليها .

· وإليك هذا المثال ... لي صديق يملك مطعما" في مونتريال لتقديم الوجبات الخفيفة ، وكان صديقي هذا يدخن بشراهة ويتناول الكثير من القهوة ويعمل على الأقل لمدة 12 ساعة يوميا" طوال الأسبوع بدون أي توقف أو اجازات . وفي أحد اليام واثناء تأدية عمله كعادته ، واثناء تناوله للقدح العاشر من القهوة وانهماكه في التدخين ، وهو يعمل تحت الضغط الشديد وقع مغشيا" عليه ونقلته سيارة الأسعاف فورا" ألى أقرب مستشفى ، واكتشف الطبيب المعالج أن صديقي قد أصيب بجلطة في المخ وأجريت له على الفور عملية جراحية ، وتم إنقاذ حياته بمعجزة ، وعلى الرغم من نجاح العملية فقد تسببت الجلطة بأصابته بالشلل في الجانب الأيسر ، وعندما تحسنت حالته واصبحت الزيارة مسموحا" بها ، قمت بزيارته وقال لي والدموع تملأ عينيه " هل رأيت ما حدث لي ؟ " ... فقلت له " نعم " ... ثم قال لي أنه قد توقف نهائيا" عن التدخين وتناول القهوة بتعليمات صارمة من الطبيب وإلاّ فأنه من الممكن أن يكون السبب في موته .

· والآن نشرح الذي حدث بالضبط في حالة صديقي ، فهو كان على دراية تامّة بأن تدخين ثلاث علب من السجائر مع شرب 15 – 20 قدحا" من القهوة في اليوم بدون إجازات على الأطلاق مع العمل المستمرّ تحت الضغط الشديد هو وصفة ممتازة للأنتحار ، وطالما كانت صحته – في اعتقاده – على ما يرام ولم يكن يشعر بالتدهور الداخلي فقد ظل مستمرّا" على طريقته هذه في الحياة ، وفجأة بعد حدوث المأساة تغير اعتقاده في الأسباب تماما" ... فبدلا" من اعتقاده أن التدخين يسبب له الراحة بدأ يعتقد أن التدخين من الممكن أن يسبب له الموت ، وهذا اللاعتقاد الجديد جعله يأخذ خطواتإ ايجابية تجاه أسلوب حياة صحية جديدة ، وبعد أن تحسنت صحته بنسبة 80% قام بقضاء عطلة مع عائلته في المكسيك وبدأ يتمتع بالحياة .[/size]