[size=32]القرن العجيب (القرن الرابع الهجري)


في هذا القرن (الرابع الهجري) أصيب العالم الإسلامي بانقسام كبير وكأنه عقد انفرط أو صخرة تفتتت، ونشأت فيه دولٌ صغيرة منفصل بعضها عن بعض وقد تم ذلك في حدود سنة 324هـ/935م. وقد تغلب كل رئيس على ناحيته وانفرد بها فصارت (فارس والري وأصبهان وهمذان) في أيدي بني (بويه) و (كرمان في يد (محمد بن الياس)، و(المغرب وإفريقيا) في يد الفاطميين. و (خراسان) في يد (نصر بن أحمد الساماني) و (الأهواز وواسط والبصرة) في يد (البريديين) و(اليمامة والبحرين في يد أبي طاهر القرمطي) و (طبرستان وجرجان) في يد (الديلم) و(الموصل وديار بكر وديار ربيعة ومضر) في أيدي (بني حمدان). و (مصر والشام) في يد (بني طغج الإخشيديين)، ولم يبق للخليفة العباسي إلا (بغداد) ونواحيها.

ولم يكن للخليفة العباسي أي سلطة، ولكن كان يُدعى له في بعض المنابر، والبقاء له كان ساترا لتوسع كل أمير بدولته ليكتسب شرعية ما...


أما لماذا وصفناه بالقرن العجيب؟


فالعجب وبالرغم من أن هذا القرن من أكثر القرون خرابا سياسيا واجتماعيا، فإنه كان أغنى القرون إطلاقاً حتى يومنا هذا بالتفوق العلمي والفكري...

فبعد أن كانت بغداد موئل العلماء وكعبة القصّاد لطلب العلم، انتشرت العواصم العلمية والثقافية، فأصبحت شيراز والري وحلب ودينور وهمذان وسمرقند وبخارى والقاهرة (هذا إذا نَحينا مدن الأندلس قرطبة وأشبيلية وغيرها) مراكز هامة للعلم والفكر، ولا تزال أسماء خالدة الذكر ليومنا هذا تقترن بتلك المدن (الأنطاكي، البخاري، البستي، الشهرستاني الخ).

وأصبح الذين ينشدون المال والشهرة يجدونهما في أكثر من موطن، ولعلهم وجدوا في التجزئة نعيماً أكثر من الوحدة! والحرية أكثر من لون سياسي واحد! وكنا نرى طواف شعراء مثل المتنبي بين عواصم شتى..

كما أن وفودا من الهند والصين وديانات أخرى أتت لتتعلم العربية وتشارك في هذا النعيم! فظهر الطب الراقي والتنجيم والفلك والرياضيات والفلسفة والكيمياء..
وقد وصف المقدسي ثراء المكتبات الخاصة، وقال في معرض حديثه أنه لما غضب عضد الدولة من (حبشي أخيه) صادر أملاكه ومن بينها 15 ألف مجلد! وأن كُتب الصاحب بن عباد كانت تحمل على 400 بعير.


وبرزت في هذا القرن أسماء لامعة في شتى الميادين كالطبري والفارابي والأصفهاني وابن النديم والجراح أبي القاسم، والمتنبي الشاعر، وابن العميد وأبي هلال العسكري وابن خالويه وأبي فراس الحمداني و (الؤاواء الدمشقي) والشريف الرضي وابن دريد.

وكان الحكام يتباهون بمن حوله أكثر من هؤلاء الأعلام
[/size]