في الوقت الذي نسعى فيه لتنظيم جداولنا، والتخطيط لِمُتطلَّبات الحياة اليومية، وخاصَّة في الإجازات الطويلة التي نجاهد للاستفادة منها، نجد واجباتٍ أخرى - لا تخصُّنا - تتزاحمُ جنبًا إلى جنبٍ مع متطلباتنا في "روزنامة"[1] أعمالنا.
 
فزيدٌ انتقل إلى منزلٍ جديد.
وعمر وُلِدَ له وليد.
وفلان غادر إلى بلدٍ بعيد، وآخر قَدِمَ من ذلك البلد البعيد.
وآخر نال ترْقيةً في عمله أو تعميد.
وزفاف ابنة جارنا، وتخرّج ابن صديقنا، و...، و...، و...
 
ما لا نهاية له مِن الالتزامات، والمناسَبات، والمواعيد، المقحَمة عُنوةً في جداولنا، والتي تتعارضُ مع مسؤوليات ومستوجبات حياتنا الخاصَّة، فترهقُنا وترهقُ أوقاتَنا - المكتظة سلفًا - فلا نجد متَّسعًا لأنفسنا ولأسرنا؛ لاستيفاء ما تتطلبه حياتنا.
 
فما الذي لنا وما الذي علينا من هذه الواجبات الاجتماعية؟
يقول المنفلوطي في "النظرات": "حياةُ الإنسان في هذا العالَم حياةٌ ضمنية مُدَّخَلةٌ في حياةِ الآخرين، أكثرُ الناس يعيشون في نفوسِ الناس أكثرَ مما يعيشون في نفوس أنفسهم".
 
وتلك حقيقة؛ فالإنسان لا يستطيع العيشَ بمعزلٍ عن الآخرين، بالرغم من الضغوط التي يفرضها اندماجُه بهم عليه؛ فهو مضطر للمجاملة والمسايرة، ولو على حساب نفسه وأسرته، ويتوجَّب عليه إرضاء الجميع - الأهل والأقارب، والمعارف، والجيران، والأصدقاء، والزملاء - مهما كانت ظروفُه دون أن يُسقِط أحدًا، وإلاَّ تحمَّل وزرًا آخر من إجابته لدعوة شخص دون آخر، والذي سرعان ما يصل الخبرُ إليه، فيفسِّر عدم إجابته انتقاصًا لقدره.
 
ويظلُّ إرضاء الناس غايةً لا تُدرك - لمن تشغله هذه الغاية - ويُفقَد الهدف النبيل والسامي من هذه العَلاقات تحت وطأة الضغوطات المتواصلة، والمجاملات غير المنتهية التي انخرطنا فيها حتى لم يعدِ الرجال يجدون لأنفسهم وقتًا مع أهليهم، أو تقرَّ النساء في بيوتهن؛ ففُقِدَتِ الكثير من الأمور الهامَّة؛ كالاجتماع بالأسرة، أو الالتفاف على مائدة واحدة، أو التقارب والتحاور مع الأبناء، أو التشاور بين الزوجين، أو حتى الخروج معًا، فالأسرة كاملةً منشغلةٌ في نضال شبه يومي؛ لتلبية الدعوات والتحضر للاحتفالات، أو استقبال المدعوِّين.
 
ولقد أضحت هذه الواجباتُ كالدَّين الاجتماعيِّ واجبَ السداد، فَعَلى الفرد إيفاءُه من وقته ومن ماله، وعلى حساب أبنائه وصحته أحيانًا، وتضطره كلُّ هذه المجاملات الاجتماعية والمناسبات المهمة وغير المهمة؛ لإلغاء أمور أخرى كانت مدرجةً على قائمة أعماله لتحل محلها، وتشغله عن حقِّ أسرته في الاهتمام بها ومشاركتها.
 
فضلاً عما يتكلَّفه المرء على نفسه من مضاهاة لهذه الدعوات، فلا يهدأ له بالٌ حتى يردَّ الدعوة إلى مَن دعاه، ولو كلَّفه ذلك ما كلفه؛ ولذا أصبحت هذه الدعواتُ محرجةً ومقلقةً ومزعجةً، لدرجةٍ قد تحدو بكثير من الأفراد - خصوصًا من قُدِرَ عليه رزقه - للهروب من مجتمعاتهم إلى أماكن أخرى؛ بعدًا عن المجاملات الاجتماعية المرهقة، وبحثًا عن بعض الهدوء والخصوصية في حياته.
والحقُّ أنه مع ما لهذه الالتزامات من إرهاق بدنيٍّ، وفكريٍّ، وماديٍّ، وتضييعٍ لكثير من الأوقات، وإعاقة للكثير من الواجبات - فإن لها من جانب آخر فوائدَ جمةً - لا تنكر - في التقريب الاجتماعي وتقويةِ الروابط الإنسانية الجميلة، وإذكاء روح المودة والإخاء، وصلة الرحم وتَفقُّدِ الأقارب، وعيادة المرضى ومشاركة الأهل أفراحهم ومناسباتهم، ومساندتهم، وإسعادهم...
 
وكلُّها بلا شكَّ أمور طيبة مندوبٌ إليها، ولكنَّ المبالغة في إلزام الأفراد بأدائها مُرْغَمين لا مقتنعين هو ما نخصُّه بالحديث هنا، وما نرمي إليه، وحتى لا نكونَ كمَن يقيس بمعيارين، ولْنَكنْ منصفين، فإننا بالمِثْل نُكلف الآخرين الالتزامَ بواجبات نرهق بها كواهِلَهم، وأوقاتَهم، نقيم نفس المآدب وندعو لنفس الاجتماعات والاحتفالات.
 
نُلحُّ ونُصِرُّ ونؤكد على ضرورة حضور الآخر إلى مناسباتنا – التي تتعارض مع واجباته تُجاه أسرته ونفسه - دون قبول أيِّ اعتذار من جانبه؛ مما يضطره - بسائقٍ من الحياء - لقَبول الدعوة، وإرجاء التزاماته الأخرى، والتي قد تكون أكثر أهمية؛ خوفًا من سخطنا، واتقاءً لغضبنا أو عَتْبِنا عليه.
فنحن أيضًا بدورنا نرغمهم على القيام بأمور ربما لا يرغبون فعلاً في أدائها، وإنما فعلوها تجنُّبًا للَّوم من جانبنا. صور كلمة I Love you صور ميسي صور بنات روسيا كلام غزل عن البنت الطويلة كلام احمد الشقيري عن المراة كلام جميل عن البنت الطويلة صور قلوب مجروحة كلام احمد الشقيري عن الحب صور صدام حسين رمزيات حب صور بنات جميلة كلمات عبارات عن الاخت رمزيات حب وغرام صور بنات صغار صور عيد الحب عبارات رثاء للميت رمزيات انستقرام شعر عن البنت القصيرة شعر مدح بدوي شعر عن البنت الطويلة كلام عن الحب من طرف واحد صور ورود وازهار رمزيات بنات كيوت شعر عن مدح الصديق افلام اجنبى.
 
يَذْكر (باتي برايتان)، و (كوني هاتشن) في كتابهما "كيف تقول: لا؟ دون أن تشعر بالذنب": "إن الذين اعتادوا الموافقة على القيام بأشياء لا يريدون القيام بها، في حقيقة الأمر يتمنَّون لو يَعِرف الآخرون أنهم غيرُ سعداء، وأنهم اضطروا للموافقة؛ لأنهم يريدون أن يتجنبوا الصراع".
 
فما الضَّيْرُ لو خفَّفنا من إرهاقنا المتكرر لجداول الآخرين، وإقحامنا لمناسباتنا - على الأقل غير المهمة بالنسبة لهم – في جداولهم؟!
 
 
ماذا لو أضفنا عبارة: "إنْ استطعت"، دون أن يعقبها نظرات موعزة بعدم الرضا، تشعرُه بالذنب لو فكَّر بالتأخر عن الحضور؟!
ماذا لو التمسنا لغيرنا بعض العذر، وأوجدنا لأنفسنا بعض الحلول؟!
 
إن إجابة الدعوة واجبة؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ومَن لم يُجبِ الدعوةَ فقد عَصَى اللَّهَ ورسولَه))؛ رواه البخاري (4779 )، ومسلم ( 2585 )، وفي "صحيح مسلم" عن ابن عمر - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم – قال: ((إذا دُعِيتُم إلى كُرَاعٍ فأجيبوا))، [الكُرَاع: يد الشاة]، وهي من حقِّ المسلم على المسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول اللَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((حَقُّ المسلم على المسلم خَمْسٌ: رَدُّ السلام، وعِيادةُ المريض، واتِّباعُ الجنائز، وإجابةُ الدعوة، وتشميتُ العاطس))؛ رواه البخاري في "صحيحه" ( 1164 )، ومسلم (4022).
 
فإجابة الدعوة أمرٌ مطلوب وواجب، وهي من العادات الطيبة التي تحقق الكثير من التآلف، وتُرمِّم الجسور المنقطعة بين الأقارب – بحكم المدنية أو غيرها – وتعيد التقارب والتواصل بين الناس، وتُشْعر الآخرين بالمحبة، وإهمالُها مخالف للهدي النبويِّ، وهو مما يدفع المجتمع إلى التفكك والتباعد؛ لذا فلا تُترك الدعوة إلاَّ بأسباب يُعذر بها المدعوُّ، ولقد ذكر النوويُّ - رحمه الله -: "من الأعذار أن يُعتذر إلى الداعي فيَعذِره".
 
وبرأيي، فإن مَن يُقدَّم إليه عذر - ولو لم يرضَ به - يتوجَّب عليه التفهم، وقبول العذر، وعدم الإلحاح، أو الانزعاج واللوم؛ فللناس أسبابُهم.
 
وإجمالاً، لابد من التوازن والمراعاة.
 
ومن المناسب:
· احتساب الأجر والمثوبة من الله بنِيَّة الصلة والبر؛ فإنما الأعمال بالنيات.
· استغلال الفرصة، وتحويل الاجتماع إلى ما يَعودُ على الحضور بالنفع الديني أو الدنيوي، فنكون قد حقَّقنا هدفين - في آن واحد -: الصلة وإجابة الدعوة، والاستفادة من الوقت.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما جَلَس قومٌ مَجلِسًا لم يذكروا اللَّهَ فيه، ولم يُصلُّوا على نبيِّهم؛ إلاَّ كان عليهم تِرَةً؛ فإنْ شاء عذَّبَهم، وإنْ شاء غَفَر لهم))؛ رواه الترمذي، وصححه الألباني ( 3 / 140 )، ومعنى: ((تِرَة)): حسرة وندامة.
· عدم الإكثار من المناسبات والاحتفالات، والاعتذار عنها في حال اشتملت على ما ينكر ولا يمكن تغييره، وكذا في حال تعارضها مع ما هو أهم؛ كرعاية الأبناء، واحتواء الأسرة، ولنا في السلف قدوةٌ، فسعيدُ بنُ المُسَيَّب لم يُرَ أربعين سنة إلاَّ ما بين بيته والمسجد، فكانت ابنتُه من أحفظ الناس لكتاب الله - تعالى - وأعلمِهم بسنة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.
· عدم التكلف والمبالغة في الولائم؛ {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيَنْفِقْ مِمَّا آتاه اللَّهُ} [الطلاق: 7].
 
ويظل التسديدُ والمقاربة هما المخرجَ من إحراج هذه المواقف؛ بالتوازن في إجابة الدعوات، والاعتذار عنها بلباقة، وإبداء العذر، وبالمقابل قَبول العذر من الآخرين وتفهُّم أسبابهم.
 
نسأل الله أن يجعل اجتماعاتِنا لنا لا علينا، وأن يُوفِّقَنا لما يرضاه منا.