بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاتة


النقد الساخر الذي يمارسه القصبي كل رمضان لا يكون له دوي وضجيج وجلبة ما لم يمس القضايا الاجتماعية الحساسة وبالذات ما يتعلق بالقضايا الدينية، ومن ذلك حلقة التائب في سلفي، حيث أظهر أن سبب توبة المشهورين أصحاب المال والجاه هو سبب دنيوي صرف، فتوبة الفنان كان وراءها هدف مادي ليست توبة صادقة، هكذا يبدو من مشاهدة الحقلة.

وهو في نقده عزل التصور الروحي في التوبة، وجعل التوبة تنطلق من أجل مكسب مادي، حيث أصبح الدين وسيلة لتحقيق الثراء وتعويض الخسائر التي فقدها الشخص في حياته، وهذه الصورة قد تكون صحيحة ولكنها ليست هي الصورة النمطية السائدة، فلا ريب أن هناك من يتوب من أجل تحقيق مطلب دنيوي، ولكن غالب حال الناس أن التوبة يكون دافعها تحقيق مرضاة الله تعالى وليس تحقيق مصالح دنيوية.

حين نضع الصور الشاذة هي الصورة النمطية نقع في مزالق فكرية تمنعنا من تصور الحقيقة ولا نفهم الواقع، فالصور الشاذة لا تمثل الواقع ولا تعطي انعكاسا صادقا عن القضايا التي تتناول للبحث، بل تقدم صورة مشوهة لا تصلح في المعالجة الاجتماعية. الدراما تخفق وتفشل عندما تركز فقط على الصور الشاذة وتغيب عنها الصور العامة الغالبة السائدة، فإنها بذلك لا تساهم في صنع الحلول، وتكون هي بذاتها عقبة في الإصلاح لأنها جعلت من الشاذ عام، وشوهت المفاهيم لدى الناس.

تفشل الدراما عندما تركز غالب جهدها وعطائها على جانب اجتماعي واحد فقط وهو الجانب الديني، فالدراما التي ترى أن نجاحها يعتمد بدرجة عالية على النقد الساخر بالقضايا الدينية فهي دراما ضعيفة لا تقوى على تلمس حاجات الناس، فقضايا المجتمع متنوعة ومتعددة وحصر مشاكل المجتمع في القضايا الدينية هو ضيق في الأفق، وخلل في التصور. وهذا التناول الدائم للقضايا الدينية يشكل لدى الناس انطباعا أن مشاكلنا فقط تتمثل في الجانب الديني فقط. وهذه إحدى المزالق الكبرى للطرح المستمر للقضايا الدينية أنه يزرع في اللاوعي أن الدين بذاته مشكلة، فبدلاً أن يكون الدين هو حلا يكون هو مشكلة، وهذا الانطباع لا يكون مباشرا ولكنه قد يتولد لدى بعض العقول من كثرة الطرح المشوه.

الدراما عندما تتقوقع في إطار فكري معين، فإنها تكون مؤدلجة فكرياً، وهذه الأدلجة تجعل النقد للتوجه الديني هدف بذاته، وتنتقل من مساحة النقد الكبرى لقضاي المجتمع الكثيرة والمعقدة إلى النقد الضيق المؤدلج لفئة من المجتمع، وهي بهذا تصنع العداء مع هذه الفئة لأنها ركزت كل جهدها في النقد الدائم لفئة من المجتمع، وهذا التناول جعل النقد ليس وسيلة للإصلاح بل أصبح النقد هو غاية بذاته، ولذا لا يمكن للدراما هذه أن تذكر محاسن أو جمال هذه الفئة لأن انتقلت من جانب الإصلاح إلى جانب النقد المقصود المتعمد، فالدراما بطرحها الساخر المقصود المتكرر خرجت من دائرة البناء إلى دائرة الهدم.

لأسف أن طرح الدراما لم يرتق مع مرور الزمن، فلا زالت الأفكار تردد كما هي،ولا زال الأسلوب يُعاد بالصورة النمطية القديمة، المجتمع يتطور فكريا والدراما تدور حول ذاتها، تتكرر ما طرحته قبل عشرين سنة وكأن الزمان توقف هناك. فالدراما تنقد الآخرين وهي عاجزة عن تطوير ذاتها، وهذه من العجائب المضحكة.

الدراما أخفقت وفشلت لأنها جهلت الغاية الحقيقية من الدراما، فحين يكون الهدف هو المال فلن تكون الدراما قادرة على معالجة قضايا المجتمع. ولن يكون الضحك الذي تنتزعه من أفواه الناس شافعاً لها للنجاح والقبول.