يروي سوندرز مدرس الصحة بكلية جورج واشنطون درساً قد تعلمه و لن ينساه أبداً، فيقول:

" لم أكن بعد قد بلغت العشرين من عمري و لكني كنت شديد القلق حتى في تلك الفترة المبكرة من حياتي، فقد اعتدت أن أجتر أخطائي ، و أهتم لها هماً بالغاً.

وكنت إذا فرغت من أداء امتحان ما و قدمت أوراق الإجابة, أعود إلى فراشي فأستلقي عليه، و أذهب أقضم أظافري وأنا في أشد حالات القلق خشية الرسوب، لقد كنت أعيش في الماضي وفيما صنعته فيه ، وأود لو أنني صنعت غير ما صنعت ، وأفكر فيما قلته من زمن مضى ، وأود لو أنني قلت غير ما قلت- وكل ذلك كان يتم بطريقة سلبية حيث كنت دائماً أضع اللوم على نفسي-...

ثم إني ذات صباح دخلت الفصل و زملائي الطلبة، وبعد قليل دخل المدرس ـ مستر براندوين ـ ومعه زجاجة مملؤة باللبن و ضعها أمامه على المكتب و تعلقت أبصارنا بهذه الزجاجة ، وانطلقت خواطرنا تتساءل :" ما صلة اللبن بدروس الصحة ؟ ّوفجأة نهض المدّرس ضارباً زجاجة اللبن بظهر يده فإذا هي تقع على الأرض ويراق ما فيها ، وهنا صاح مستر براندوين : " لا يبك أحدكم على اللبن المراق " .

ثم نادانا الأستاذ واحداً واحداً لنتأمل الحطام المتناثر والسائل المسكوب على الأرض، ثم جعل يقول لكل منا :

" أنظر جيداً إنني أريد أن تذكر هذا الدرس مدى حياتك، لقد ذهب اللبن واستوعبته البالوعة، فمهما تشد شعرك ، تسمح للهم والنكد أن يمسكا بخناقك فلن تستعيد منه قطرة واحدة .

لقد كان يمكن بشيء من الحيطة و الحذر أن نتلافى هذه الخسارة و لكن فات الوقت، وكل ما نستطيعه أن نمحو أثرها وننساها ثم نعود إلى العمل بهمة و نشاط".